التفرقة بين الماهية والوجود4
صفحة 1 من اصل 1
التفرقة بين الماهية والوجود4
لقد قلنا إ ّ ن الوجود هو معنى بديهيّ وأوّل ما تستحضره النّفس، ولأنّه أ ظهر الأشياء
وأحّقها معرفة، فإنّه قد امتنع بتاتا تعريف الوجود، لأنّه ما التّعريف، ليت شعري، إ ّ لا
تحصيل مجهول بمعروف ! ؟ وإذا كان الوجود أعرف الأشياء، فلا شيء أعرف منه، فلا
شيء قد يعرّفه، فإًذا الوجود لا يُعَرَّ فُ. وإذ امتنع تعريف الوجود، فقد بقي سبيل آخر
في التّطرّق إليه، وهو طريق التّقسيم. وتقسيم الوجود ذو طرائق كثيرة، ولكن إنّما نحن
سنقف عند تقسيمه بحسب مراتبه. إ ّ ن هناك تقسيما أوّلا وكبيرا للوجود بحسب مرتبته،
وهو تقسيمه إلى الوجود الذّهنيّ والوجود العي نيّ، والوجود العينيّ هو وجوده في
الخارج، والوجود ال ّ ذهنيّ هو حصول الأمر قائما في ال ّ ذهن . و إن كان الأمر حاصلا في
ال ّ ذهن فهو إمّا أن يكون معقولا، أو متخيّلا، أو مدركا إدراكا حسّيّا مشتركا . وإن كان
موجودا في الخارج، فهو إمّا أن يكون مادّة محسوسة، أو جوهرا معقولا، وهذا الجوهر
المعقول هو نفسه ذو مراتب، أخسّها جوهر العقل الإنسا ّ ني، ويتوسّطها العقل السّماوي،
وأعلاها العقل الإلاهيّ. وبالجملة، فالوجود لا يخرج عن إمّا أن يكون ذهنيّا، وإمّا عينيّا.
وهاهنا، فنحن نسأل هذا السّؤال : إذا كان شيء ما لِزَامًا عليه أن يكون إمّا في
ال ّ ذهن، أو في الخارج، فهل معنى كونه في الخ ارج، أو كونه في ال ّ ذهن، هو أيضا جزء
مقوّم لماهيّة ذلك الشّيء أم لا ؟ أي هل نَحْوُ وجود الشّيء هو جزء لما به ذلك الشّيء
هو هو ؟ الجواب : ك ّ لا إطلاقا ! وأيسر دليل على هذا الجواب هو أنّه لو كان على
خلافه، أي لو كان نحو وجود الشّيء مقوّما لحقيقة الشّيء، وح قيقة الشّيء هي ما به
الشّيء هو هو، و قد كنّا قد رأينا أ ّ ن ما به الشّيء هوهو لا يرتفع أبدا، لكان إذا كان
شيء ما موجودا بنحو من الأنحاء َ لا مْتَنَعَ أن يُتَصَوَّرَ على خلاف حال وجوده، فيكون
إذا كان موجودا في الواقع فهو يكون ممتنعا عليه أن لا يوجد كذلك أبدا، وإذا امتنع
عليه أن يوجد كذلك أبدا، فإنّه بطريق الأولى أ ّ لا يكون إ ّ لا موجودا على ذلك النّحو
أبدا، فتصير ك ّ ل الأشياء أبديّة الوجود وهو خلاف ال ّ ظاهر من أمر كثير من الأشياء . إ ّ ن
هذا الجواب القريب الأوّل. ولكن نزيد عليه هذا الجواب الفلسفيّ الّثاني :
لقد ذكرنا أ ّ ن ماهية الشّيء أو جزءها المقوّم لها هو ما لو افترضناه مرتفعا ارتفع معه
نفس حقيقة الشّيء، كما لو ارتفعت ثلاثيّة الأضلاع من المثّلث فيرتفع بارتفاعها نفس
حقيقة المثّلث. ولكن __________للمثّلث أنحاء ممكنة في الوجود، فهو قد يكون موجودا في ال ّ ذهن،
وقد يكون موجودا مرسوما في لوحة، وقد يكون قد صنعناه من خشب أو حديد ...
فكون المثّلث، إًذا موصوفا بنحو ما من أنحاء الوجود تلك، هل عساه أن يكون مَُقوِّمًا
لنفس ماهية المثّلث ، أي لو أ ّ ن ال ّ ذهن قد اعتبر المثّلث وقد رُفِعَ عنه مثلا كونه موجودا
في ال ّ ذهن أو في الواقع، فهل ترتفع حقيقة المثّلث بما هي هي ؟
الجواب : ك ّ لا بتاتا ! لأنّه لو كان كذلك لأدرك ال ّ ذهن أ ّ ن المثّلث الموجود في ال ّ ذهن
مثلا، هو حقيقة تختلف بالماهية عن المثّلث الموجود في الحقيقة، كإدراكه لاختلاف ماهية
المربّع عن ماهية الدّائرة . ولكن ال ّّ ذهن لا يدرك المثّلث في ال ّ ذهن مختلفا بالماهية عن
المثّلث الموجود في الواقع، فإًذا وجود المثّلث في ال ّ ذهن أو في الواقع هو غير مقوّم لماهيته،
فهو إًذا عارض له، فالوجود إًذا هو غير الماهية، إنّه عرض لها.
إ ّ ن الوجود عرض للماهية ! تلك ما هي إًذا ذلك الاستخلاص الكبير، وتلك العبارة
الشّهيرة اّلتي شاعت عن ابن سينا أوّلا، ّ ثم تلّقاها متكّلمة الإسلام بعده، كالفخر
الرّازي، والقطب الرّازي، وسعد الدّين التّفتازاني، والم ّ لا صدر الدّين الشّيرازي،
وكذلك قد تلّقاها لا هو ّ تي المسيحيّة، كالقدّيس توما الإكويني ، ودونس سكوت، وآثار
وأحّقها معرفة، فإنّه قد امتنع بتاتا تعريف الوجود، لأنّه ما التّعريف، ليت شعري، إ ّ لا
تحصيل مجهول بمعروف ! ؟ وإذا كان الوجود أعرف الأشياء، فلا شيء أعرف منه، فلا
شيء قد يعرّفه، فإًذا الوجود لا يُعَرَّ فُ. وإذ امتنع تعريف الوجود، فقد بقي سبيل آخر
في التّطرّق إليه، وهو طريق التّقسيم. وتقسيم الوجود ذو طرائق كثيرة، ولكن إنّما نحن
سنقف عند تقسيمه بحسب مراتبه. إ ّ ن هناك تقسيما أوّلا وكبيرا للوجود بحسب مرتبته،
وهو تقسيمه إلى الوجود الذّهنيّ والوجود العي نيّ، والوجود العينيّ هو وجوده في
الخارج، والوجود ال ّ ذهنيّ هو حصول الأمر قائما في ال ّ ذهن . و إن كان الأمر حاصلا في
ال ّ ذهن فهو إمّا أن يكون معقولا، أو متخيّلا، أو مدركا إدراكا حسّيّا مشتركا . وإن كان
موجودا في الخارج، فهو إمّا أن يكون مادّة محسوسة، أو جوهرا معقولا، وهذا الجوهر
المعقول هو نفسه ذو مراتب، أخسّها جوهر العقل الإنسا ّ ني، ويتوسّطها العقل السّماوي،
وأعلاها العقل الإلاهيّ. وبالجملة، فالوجود لا يخرج عن إمّا أن يكون ذهنيّا، وإمّا عينيّا.
وهاهنا، فنحن نسأل هذا السّؤال : إذا كان شيء ما لِزَامًا عليه أن يكون إمّا في
ال ّ ذهن، أو في الخارج، فهل معنى كونه في الخ ارج، أو كونه في ال ّ ذهن، هو أيضا جزء
مقوّم لماهيّة ذلك الشّيء أم لا ؟ أي هل نَحْوُ وجود الشّيء هو جزء لما به ذلك الشّيء
هو هو ؟ الجواب : ك ّ لا إطلاقا ! وأيسر دليل على هذا الجواب هو أنّه لو كان على
خلافه، أي لو كان نحو وجود الشّيء مقوّما لحقيقة الشّيء، وح قيقة الشّيء هي ما به
الشّيء هو هو، و قد كنّا قد رأينا أ ّ ن ما به الشّيء هوهو لا يرتفع أبدا، لكان إذا كان
شيء ما موجودا بنحو من الأنحاء َ لا مْتَنَعَ أن يُتَصَوَّرَ على خلاف حال وجوده، فيكون
إذا كان موجودا في الواقع فهو يكون ممتنعا عليه أن لا يوجد كذلك أبدا، وإذا امتنع
عليه أن يوجد كذلك أبدا، فإنّه بطريق الأولى أ ّ لا يكون إ ّ لا موجودا على ذلك النّحو
أبدا، فتصير ك ّ ل الأشياء أبديّة الوجود وهو خلاف ال ّ ظاهر من أمر كثير من الأشياء . إ ّ ن
هذا الجواب القريب الأوّل. ولكن نزيد عليه هذا الجواب الفلسفيّ الّثاني :
لقد ذكرنا أ ّ ن ماهية الشّيء أو جزءها المقوّم لها هو ما لو افترضناه مرتفعا ارتفع معه
نفس حقيقة الشّيء، كما لو ارتفعت ثلاثيّة الأضلاع من المثّلث فيرتفع بارتفاعها نفس
حقيقة المثّلث. ولكن __________للمثّلث أنحاء ممكنة في الوجود، فهو قد يكون موجودا في ال ّ ذهن،
وقد يكون موجودا مرسوما في لوحة، وقد يكون قد صنعناه من خشب أو حديد ...
فكون المثّلث، إًذا موصوفا بنحو ما من أنحاء الوجود تلك، هل عساه أن يكون مَُقوِّمًا
لنفس ماهية المثّلث ، أي لو أ ّ ن ال ّ ذهن قد اعتبر المثّلث وقد رُفِعَ عنه مثلا كونه موجودا
في ال ّ ذهن أو في الواقع، فهل ترتفع حقيقة المثّلث بما هي هي ؟
الجواب : ك ّ لا بتاتا ! لأنّه لو كان كذلك لأدرك ال ّ ذهن أ ّ ن المثّلث الموجود في ال ّ ذهن
مثلا، هو حقيقة تختلف بالماهية عن المثّلث الموجود في الحقيقة، كإدراكه لاختلاف ماهية
المربّع عن ماهية الدّائرة . ولكن ال ّّ ذهن لا يدرك المثّلث في ال ّ ذهن مختلفا بالماهية عن
المثّلث الموجود في الواقع، فإًذا وجود المثّلث في ال ّ ذهن أو في الواقع هو غير مقوّم لماهيته،
فهو إًذا عارض له، فالوجود إًذا هو غير الماهية، إنّه عرض لها.
إ ّ ن الوجود عرض للماهية ! تلك ما هي إًذا ذلك الاستخلاص الكبير، وتلك العبارة
الشّهيرة اّلتي شاعت عن ابن سينا أوّلا، ّ ثم تلّقاها متكّلمة الإسلام بعده، كالفخر
الرّازي، والقطب الرّازي، وسعد الدّين التّفتازاني، والم ّ لا صدر الدّين الشّيرازي،
وكذلك قد تلّقاها لا هو ّ تي المسيحيّة، كالقدّيس توما الإكويني ، ودونس سكوت، وآثار
عاشق الروح- المدير العام للمنتدى
-
عدد المساهمات : 336
نقاط : 6059
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 14/06/2009
العمر : 53
الموقع : مصر
مواضيع مماثلة
» التفرقة بين الماهية والوجود
» التفرقة بين الماهية والوجود2
» التفرقة بين الماهية والوجود3
» التفرقة بين الماهية والوجود5
» التفرقة بين الماهية والوجود2
» التفرقة بين الماهية والوجود3
» التفرقة بين الماهية والوجود5
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الأحد سبتمبر 02, 2018 9:06 am من طرف basaief
» البقدونس وفوائدة الصحية
الخميس أغسطس 18, 2016 8:56 am من طرف admin
» تفاصيل تحديث Windows 10 anniversary update
الخميس أغسطس 18, 2016 8:54 am من طرف admin
» حيوان الشيب
الثلاثاء مايو 31, 2016 10:27 am من طرف admin
» بشرة رائعة مع ماسك القهوة
الثلاثاء مايو 31, 2016 9:35 am من طرف admin
» اســـــــــكندرية يا مدينتــى
الجمعة أبريل 29, 2016 4:38 am من طرف admin
» نوستراداموس و قدرته على التنبؤ بالمستقبل
الجمعة أبريل 29, 2016 4:37 am من طرف admin
» رياضة اليوجا
السبت يوليو 25, 2015 1:33 am من طرف ola
» كيفية ازالة الخدوش من علي شاشة الهاتف و شاشة الكمبيوتر
السبت يوليو 25, 2015 12:48 am من طرف ola